معهد صندوق الإيداع والتدبير يبحث دور الاقتصاد الدائري في استدامة المدن

يواصـل معهـد صنـدوق الإيـداع والتدبيـر سلسـلة نـدوات (نظـرات نحـو المسـتقبل) بتنظيـم النـدوة السادسـة عـن بعـد يـوم الثلاثـاء 10 نونبر حول موضوع (استدامة المدن ودور الاقتصاد الدائري.)

خـلال هـذه النـدوة، سـاهم أربعـة خبـراء ﻓﻲ مناقشـة موضـوع (كيـف يمكـن تحسـين اسـتدامة المـدن عبـر اعتمـاد الاقتصـاد الدائـري؟)، وهم :

  • راضية الشيخ لحلو، مديرة ديكليك للاستشارة ﻓﻲ مجال المسؤولية الاجتماعية للمقاولات؛
  • فرانسوا-ميشيل لامبيرت، رئيس المعهد الوطني للاقتصاد الدائري؛ برلماﻧﻲ عن الدائرة العاشرة دي بوش دو غون؛
  • جان دينيس كورت، مسؤول قطب التدوير والاقتصاد الدائري لدى مجموعة رونو؛
  • غزلان مغنوج المنجرة، رئيسة مغرب أمباكت.

أسـفر التوسـع السـريع للتعميـر، والتحسـن المسـتمر لمسـتوى عيـش السـكان، عـن نشـوء مجتمـ ٍع اسـتهلاكي شـموﻟﻲ غيـر محـدود ومدمــر للبيئــة: الطلــب المتنامــي علــى الســكن، التوســع الهائــل لاســتهلاك المنتجــات الغذائيــة والشــائعة الاســتعمال، النمــو القــوي للمنتجات الزائلة والمعدة للاستعمال مرة واحدة.

وأسـفر هـذا النمـط مـن النمـو المرتكـز علـى الاسـتهلاك القـوي عـن تفاقـم اسـتخراج المـوارد الطبيعيـة، وبالتـاﻟﻲ ممارسـة ضغـط قـوي علـى البيئـة. إضافـة إﻟﻰ أن مسـتويات الاسـتهلاك الحاليـة تنتـج كميـات هائلـة وغيـر مسـبوقة مـن النفايـات التـي تـؤدي إﻟﻰ تفاقـم الآثـار البيئية.

ومع تنامي المخاطر البيئية، تزايد مستوى الوعي الذي ميز المجتمعات البشرية خلال ما يربو عن 30 عاما. وأصبح هذا الوعي أكثر حدة مع بلورة مفاهيم جديدة وتدابير غير مسوقة، من قبيل الاقتصاد الدائري.

(الاقتصـاد الدائـري عبـارة عـن نظـام اقتصـادي مرتكـز علـى نمـوذج يعـوض مفهـوم نهايـة حيـاة المنتـوج بمفاهيـم إعـادة الاسـتعمال، التخفيـف، التدويـر والاسـتعادة)، بهـذه العبـارات المختصـرة لخصـت راضيـة الشـيخ لحلـو أسـس الاقتصـاد الدائـري. ويتعلـق الأمـر هنـا بنمـوذج تفكيـر يهـدف أساسـا إﻟﻰ مكافحـة الآثـار البيئيـة والاجتماعيـة السـلبية. وتـرى راضيـة الشـيخ لحلـو أن الاقتصـاد الدائـري أصبـح اليــوم يشــكل ضــرورة ملحــة مــن أجــل مواجهــة تدهــور المــوارد، مــن جهــة، والكميــات الهائلــة مــن النفايــات الناتجــة عــن الاســتهلاك المفــرط علــى الصعيــد العالمــي مــن جهــة أخــرى: (ســنويا، يصــل الاســتهلاك الفــردي ﻓﻲ بلــدان منظمــة التعــاون والتنميــة الاقتصاديـة 800 كيلوغرامـا مـن الأغذيـة والمشـروبات، و20 كيلوغرامـا مـن الملابـس والأحديـة، و120 كيلوغرامـا مـن مـواد التعبئـة والتغليف، وتنتهي نسبة %80 من كل هذه المواد ﻓﻲ مطارح النفايات وأفران الحرق أو ﻓﻲ الماء)، تضيف راضية الشيخ لحلو.

وتجــدر الإشــارة هنــا إﻟﻰ أن بعــض الفاعليــن ﻓﻲ ميــدان الاقتصــاد الاجتماعــي والتضامنــي، كانــوا ســباقين إﻟﻰ الدفــاع عــن مبــادئ » الاقتصــاد الدائــري «، وذلــك قبــل ظهــوره بكثيــر. فخــلال عقــد الســتينات، نوعــت العديــد مــن الجمعيــات والتعاونيــات نشــاطها بهــدف الاســتجابة للحاجيــات المحليــة المتصاعــدة ومكافحــة الإقصــاء وضمــان الوصــول للمــواد الأساســية. وتقــول غــزلان المنجــرة أن هــذه الهيئــات النشــطة ﻓﻲ مجــال الاقتصــاد الاجتماعــي والتضامنــي، كانــت دائمــا تدافــع عــن حلــول ملموســة، قابلــة للتطبيــق والتمثــل، متعــددة القطاعــات، غيــر أنهــا للأســف لــم يتــم تثمينهــا وكانــت مشــتتة. (لقــد أصبــح مــن الــلازم ربــط الاقتصــاد الدائــري بالاقتصــاد الاجتماعــي والتضامنــي مــن أجــل الانتقــال مــن نمــوذج يرتكــز علــى تخفيــف الوقــع (المســؤولية الاجتماعيــة للمقــاولات) والـذي يعـد غيـر كاف ﻓﻲ سـياق مـا بعـد كوفيـد، إﻟﻰ نمـوذج يقـوم علـى خلـق القيمـة الإيجابيـة والكثيفـة علـى المسـتويات الاجتماعيـة والاقتصادية والبيئية) تضيف غزلان المنجرة.

اليــوم، لا يمكــن تفعيــل الاقتصــاد الدائــري بــدون توفــر إرادة حقيقيــة ووعــي سياســي، مــع وضــع تحفيــزات ضريبيــة، بــل واعتمــاد إجـراءات قسـرية ﻓﻲ مرحلـة أوﻟﻰ. بهـذا الصـدد، يقتـرح فرانسـوا ميشـيل لامبـرت تفعيـل أربعـة روافـع للعمـل السياسـي قصـد تشـجيع كل الفاعليـن علـى تغييـر المفاهيـم، وذلـك عبـر إعـادة توجيـه النمـوذج الخطـي للنمـو الاقتصـادي المرتكـز علـى الاسـتهلاك نحـو نمـوذج اقتصــادي دائــري. ويتطلــب هــذا الأمــر: ( (أ) علــى المســتوى الجبــاﺋﻲ، فــرض ضرائــب أكثــر علــى اســتهلاك المــواد الأوليــة، (ب) علـى المسـتوى التنظيمـي، تنسـيق عمـل مختلـف الفاعليـن، خصوصـا مـن خـلال وضـع معاييـر ُيفـرض احترامهـا مـن قبـل الجميـع (منــع اســتعمال الأكيــاس البلاســتيكية كمثــال)، (ج) التحفيــز الاقتصــادي، ﻓﻲ شــكل ترميــز ومنــح علامــات، مــن أجــل تثميــن المجهـودات التـي يبذلهـا الفاعلـون للحفـاظ علـى القيمـة والمـوارد، (د) تغييـر السـلوكات والكفـاءات بهـدف الدفـع ﻓﻲ اتجـاه إرسـاء اقتصاد قائم على الاستعمال المفيد والتقاسم).

ويعتبـر الاقتصـاد الدائـري اليـوم رافعـة أساسـية للمدينـة المسـتدامة لكونـه يسـتهدف تعزيـز مرونـة المجـالات والرفـع مـن قدراتهـا علـى التأقلــم. فقــد أصبــح مطلوبــا مــن المــدن أن تتحلــى بــروح الابتــكار والتجديــد بهــدف اعتمــاد أســاليب جديــدة للإنتــاج وعــادات جديــدة للاســتهلاك، تكــون محترمــة للبيئــة وأقــل إنتاجــا للنفايــات. (مــن خــلال اعتمــاد مقاربــة دائريــة، ينــدرج المجــال التــراﺑﻲ ﻓﻲ دائــرة مـن الحمايـة، دائـرة فضلـى، مـن شـأنها أن  تعـزز مرونتـه وقدرتـه علـى التأقلـم وجاذبيتـه(...)، وبذلـك يصبـح المجـال أقـل ارتباطـا بمـا يحدث ﻓﻲ الخارج، ويصبح قادرا على الاشتغال ﻓﻲ استقلالية) تقول راضية الشيخ لحلو.

مـن جانبـه، أشـار جان-دينيـس كـورت إﻟﻰ الـدور الـذي يمكـن أن يلعبـه قطـاع السـيارات ﻓﻲ مجـال تحسـين اسـتدامة المـدن، عبـر التأكيـد علـى الفـرص المفتوحـة أمـام هـذا القطـاع للانخـراط ﻓﻲ الاقتصـاد الداخلـي، وعلـى الخصـوص، إعـادة اسـتعمال المـواد المعـادة التدويـر ﻓﻲ السـيارات الجديـدة، إعـادة تدويـر السـيارات التـي لـم تعـد صالحـة للاسـتعمال، إعـادة اسـتعمال أجـزاء وقطـع السـيارات والحركيـة المشــتركة. (تلعــب صناعــة الســيارات دورا أساســيا ﻓﻲ تحســين اســتدامة المــدن، خاصــة فيمــا يتعلــق بجــودة الهــواء وانبعــاث ثــاﻧﻲ أكســيد الكاربــون، وأيضــا فيمــا يخــص اســتهلاك المــواد الأوليــة الضروريــة لإنتــاج وتشــغيل الســيارات، وبالتــاﻟﻲ الحركيــة. ويتطلــب الوصــول إﻟﻰ اســتعمال أكثــر نجاعــة واســتدامة ومرونــة للمــوارد النــادرة والمحــدودة، اعتمــاد مبــادئ الاقتصــاد الدائــري ﻓﻲ جميـع مراحـل حيـاة المنتجـات والخدمـات: إعـادة تدويـر المـواد المسـتعملة ﻓﻲ السـيارات خـارج الخدمـة مـن أجـل اسـتعمالها مجـددا ﻓﻲ إنتــاج الســيارات الجديــدة، تطويــر وإعــادة اســتعمال وتجديــد أجــزاء وقطــع الســيارات، اعتمــاد نمــاذج أعمــال جديــدة قائمــة علــى الاستعمال وخاصة الاستعمالات المشتركة وليس فقط على أساس تجارة السيارات... )، يضيف جان-دينيس كورت.

تحميل البيان الصحفي (359.8 KB)